بسم الله الرحمن الرحيم

بحوث حول آية الولاية

قال الله تعالى: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1).

تعتبر آية الولاية من الآيات الصريحة والواضحة على ولاية أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، نزلت هذه الآية عندما تصدق أمير المؤمنين بخاتمه وهو راكع‏. وقد أطبق الرواة والمفسّرون وعلماء الإسلام من الشيعة والعامة: أن المصداق لهذه الآية هو الإمام علي عليه السلام.

الولاية: العلامة الفارقة بين المؤمن وغيره

إلا أن هناك تساؤل ورد عند أذهان البعض يتعلق بالآية وهو:

إذا كانت الولاية لها كل هذه الأهمية، بحيث إن الطاعة والأعمال لا تقبل إلا بها، ولا يكون المسلم مؤمناً إلا من خلالها، فتصبح الولاية هي العلامة الفارقة بين المؤمن وغيره، حتى ورد: ولم ينادَ بشيء ما نودي بالولاية(2) إذن، فلِمَ لم يذكر في القران إسم الإمام علي عليه السلام صريحاً، وبذلك ترتفع كل ما ورثه

المسلمون من خلافات حول هذه المسألة؟!


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ المائدة: 55.
2 ـ أنظر: الكافي 2: 21، عن فضيل، عن أبي جعفر عليه السلام قال: بني الإسلام على خمس: الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم يناد بشيء ما نودي بالولاية يوم الغدير.
وعن المحاسن1: 286 ـ 287 أحمد بن محمد بن خالد البرقي، عنه، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: بني الإسلام على خمس: الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية، ولم تناد بشيء ما نودي بالولاية. وزاد فيها عباس بن عامر: " فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه ". ( يعني الولاية ).
وعنه، عن محمد بن علي وأبي الخزرج، عن سفيان بن إبراهيم الحريري، عن أبيه، عن أبي صادق، قال: سمعت علياً عليه السلام يقول: أثافي الاسلام ثلاث، لا ينتفع واحدة منهن دون صاحبتها الصلاة والزكاة والولاية.
وعنه، عن أبي طالب عبد الله بن الصلت، عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله، عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية. قال زرارة: فأي ذلك أفضل؟ فقال: الولاية أفضلهن؛ لأنها مفتاحهن، والوالي هو الدليل عليهن... ثم قال: ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضى الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته؛ إن الله يقول: ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ) >النساء: 80 < أما لو أن رجلاً قام ليله، وصام نهاره، وتصدق بجميع ماله، وحج جميع دهره، ولم يعرف ولاية ولي الله، فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته له عليه، ما كان له على الله حق في ثواب، ولا كان من أهل الإيمان، ثم قال: أولئك، المحسن منهم يدخله الله الجنة بفضل رحمته.
وقد ورد أيضاً في كتاب > فقه الرضا عليه السلام< باب غسل الميت وتكفينه إذا حضرت الميت الوفاة فلقنه: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله، والإقرار بالولاية لأمير المؤمنين عليه السلام والأئمة عليهم السلام واحداً واحداً. فقه الرضا ـ لابن بابويه: 165.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 1 ـــــــــــــــــــــــ

يمكن الجواب عن هذا التساؤل في الأمور التالية:

الأمر الأول: إنّ عدم تصريح القران الكريم بالإسم؛ إنما ذلك دفعاً لما يترتب عليه ذكر الإسم من وقوع النزاع والخلاف بين المسلمين. فلو فرض أن إسم الإمام عليه السلام ذكر نصاً في القران، لكانت هناك محاولات خبيثة من قبل الطامعين للرئاسة والمغرضين والمناوئين للإسلام والقران أن يستبدلوا إسمه عليه السلام بإسم شخص آخر، وبذلك يحدث تغييراً وتحريفاً في القران، ونقضاً للغرض واخماداً للحق؛ إذن لأجل صون القران من التحريف والدس الذي أكثر ضرراً وأشد تضليلاً لم يصرح بإسمه عليه السلام في القران وإنما بيّن بالأوصاف.

الأمر الثاني: إنّ ذكر أوصاف الولاية بنحو كلي وبالإشارة لا التصريح في الآية، سوف لا يؤدي ذلك من المخالفين والمغرضين إلى إحداث الدس أو التحريف في القران، فإنّ تبديل الأوصاف المحددة غير ممكن عادة، بل سوف يستعملوا إسلوب محاولات التأويل بغية تحقيق آمالهم وطموحاتهم كما هو عند بعض مفسريهم؛ حيث حاولوا إيجاد وجوه تصرف معنى الولي عن معناه الحقيقي، صوناً للقرآن من التحريف. وهذه المحاولات من التأويل لا تؤثر ولا تخل بالمراد؛ إذ المراد من الآية متعيّن لدى أهل الإيمان والإنصاف، حيث جلّ المفسرين من العامّة اعترفوا وأقروا أنّ الآية نزلت في الإمام علي عليه السلام.

فآية الولاية من جملة الآيات التي طرأت عليها بعض الشبهات من مفسري العامة، ولكن الآية واضحة الدلالة؛ إذ أنها امتازت بهذه الأوصاف الثلاثة: الأولى: يُقِيمُونَ الصَّلَاة. والثانية: يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ. والثالثة: وَهُمْ رَاكِعُونَ عند إعطائهم للزكاة، فإن إعطاء الزكاة تمت في حالة الركوع، فإن طبيعة كل صلاة شموليتها للركوع، إلا أن الآية حددت قيداً ووصفاً في الذي يكون ولياً على الخلق وهو إعطاؤه للزكاة في حالة ركوع. وقد اجتمعت كل هذه الأوصاف الثلاثة في الإمام أمير المؤمنين عليه السلام دون سواه من سائر الناس. وقد أثبت الله في هذه الآية الولاية لذاته وشرك معه الرسول صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام، فكما أن ولاية الله عامة فكذلك تكون ولاية النبي والولي. وبذلك تكون ولايته عليه السلام واجبة على الخلق؛ لأنها قرنت بولاية الله تعالى وولاية رسوله صلى الله عليه وآله.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 2 ـــــــــــــــــــــــ

الأمرالثالث: أجمع المفسرون من الخاصة والعامة، وشهد المؤرخون أيضاً: أن الآية نزلت في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام خاصة.

حدثنا السيد أبو الحمد مهدي بن نزار الحسني القايني، قال : حدثنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني رحمه الله، قال : حدثني أبو الحسن محمد بن القاسم الفقيه الصيدلاني، قال : أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد الشعراني، قال : حدثنا أبو علي أحمد بن علي بن رزين البياشاني، قال : حدثني المظفر بن الحسين الأنصاري، قال : حدثنا السدي بن علي الوراق، قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، عن قيس بن الربيع، عن الأعمش، عن عباية بن ربعي، قال :

بينا عبد الله بن عباس جالس على شفير زمزم، يقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذ أقبل رجل متعمم بعمامة، فجعل ابن عباس لا يقول قال رسول الله، إلا قال الرجل قال رسول الله، فقال ابن عباس : سألتك بالله، من أنت ؟ فكشف العمامة عن وجهه، وقال : يا أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي: أنا جندب بن جنادة البدري، أبو ذر الغفاري، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله بهاتين وإلا فصمتا، ورأيته بهاتين وإلا فعميتا، يقول :

علي قائد البررة، وقاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، أما إني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوماً من الأيام صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد، فلم يعطه أحد شيئاً، فرفع السائل يده إلى السماء، وقال : اللهم اشهد أني سألت في مسجد رسول الله، فلم يعطني أحد شيئاً، وكان علي راكعاً، فأومأ بخنصره اليمنى إليه، وكان يتختم فيها، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره، وذلك بعين رسول الله صلى الله عليه وآله.

فلما فرغ النبي صلى الله عليه وآله من صلاته، رفع رأسه إلى السماء، وقال : اللهم إن أخي موسى، سألك فـ : (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي*وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي*وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي*يَفْقَهُوا قَوْلِي*وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي*هَارُونَ أَخِي*اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي*وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي)(1) فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا)(2) اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك، اللهم فاشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واجعل لي وزيراً من أهلي، علياً أشدد به ظهري . قال أبو ذر : فوالله ما استتم رسول الله الكلمة، حتى نزل عليه جبرائيل من عند الله، فقال : يا محمد إقرأ .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ طه: 25 ـ 32.
2 ـ القصص: 35.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 3 ـــــــــــــــــــــــ

قال: وما أقرأ ؟ قال : إقرأ (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا) الآية . وروى هذا الخبر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره(1).

إذن، ليس هناك اختلاف في شأن نزولها، والكل متفقون أنها نزلت في الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وما ذكر من الأوصاف الثلاثة الواردة في الآية تنطبق جميعها فيه عليه السلام ولم يشاركه أحد من الناس فيها، فالولاية منحصرة فيه من كلمة > إنما < فإنها تفيد الحصر، فولايته عليه السلام إنما هي نفس ولاية الله تعالى وولاية نبيه صلى الله عليه وآله. فجهة دلالة الآية جلية وواضحة أنها متصفة بشخص واحد لاينفرد سواه بها، وبذلك يتضح أن الولاية متعينة وثابتة فيه عليه السلام.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ تفسير مجمع البيان ـ للطبرسي 3: 361 – 362. روى الصدوق في أماليه: أخبرني علي بن حاتم رحمه الله قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، قال: حدثنا جعفر بن عبد الله المحمدي، قال: حدثنا كثير بن عياش، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا) الآية، قال: إن رهطاً من اليهود أسلموا، منهم: عبد الله بن سلام وأسد وثعلبة وابن يامين وابن صوريا، فأتوا النبي صلى الله عليه وآله فقالوا: يا نبي الله، إن موسى عليه السلام أوصى إلى يوشع بن نون، فمن وصيك يا رسول الله، ومن ولينا بعدك؟ فنزلت هذه الآية: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ). ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قوموا. فقاموا فأتوا المسجد، فإذا سائل خارج، فقال: يا سائل، أما أعطاك أحد شيئاً؟ قال: نعم، هذا الخاتم. قال: من أعطاك؟ قال: أعطانيه ذلك الرجل الذي يصلي. قال: على أي حال أعطاك؟ قال: كان راكعاً. فكبر النبي صلى الله عليه وآله وكبر أهل المسجد، فقال النبي صلى الله عليه وآله: علي بن أبي طالب وليكم بعدي، قالوا: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، وبعلي بن أبي طالب ولياً. فأنزل الله عز وجل: ( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ). الأمالي ـ للصدوق: 186، ورواها الحاكم الحسكاني بسند صحيح عن ابن عباس: شواهد التنزيل 1: 212 ـ 213، دعائم الإسلام ـ القاضي النعمان المغربي 1: 16.
وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: والله لقد تصدقت بأربعين خاتماً وأنا راكع، لينزل فيَ ما نزل في علي بن أبي طالب عليه السلام فما نزل. الأمالي ـ للصدوق: 186، وأنظر: مناقب ابن شهرآشوب 3: 3، تأويل الآيات 1: 152 / 10، بحار الأنوار 35: 183 / 1.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 4 ـــــــــــــــــــــــ

فالمحدّث البحراني في «غاية المرام» نقل أربعاً وعشرين حديثاً من مصادر أهل العامّة، وتسعة عشر حديثاً من مصادر الشيعة فتشكل بمجموعها ثلاثة وأربعين حديثاً، وبذلك تكون الروايات الواردة في شأن هذه الآية متواترة.

وأيضاً، فإن العلاّمة الأميني أورد في كتابه «الغدير» روايات من عشرين مصدراً من المصادر الروائية المعروفة لدى أهل السنّة تتحدّث في شأن الآية الشريفة كتفسير الطبري، وتفسير أسباب النزول، وتفسير الفخرالرازي(1)، والتذكرة لسبط ابن الجوزي، والصواعق لابن حجر، ونور الأبصار للشبلنجي، وكذلك تفسير ابن كثير، وغيرها من المصادر المعتبرة لدى أهل العامّة.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ وقد أورد الفخر الرازي في تفسيره بعض من هذه الروايات:
الأولى: رَوى عَطا عن اِبْنِ عَبّاسْ أَنها نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ بْنِ أَبي طالِب.
الثانية: روي أن عبدالله بن سلام قال: لَمّا نَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ، قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ أَنَا رَأَيْتُ عَلِيّاً تَصَدَّقَ بِخاتَمِهِ عَلى مُحْتاج وَهُوَ راكِعٌ فَنَحْنُ نَتَوَلاّهُ.
الثالثة: وهي الرواية الأهم من بين الروايات في هذا الباب وهي نقلاً عن أبي ذرّ الغفاري وهذه الرواية أوردها الفخر الرازي عن أبي ذرّ أنه قال:
قالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ....
وبعد أن ينقل الفخرالرازي هذه الروايات الثلاث يقول: إنّ جميع الروايات الواردة في هذه المسألة هي هذه الروايات الثلاث فقط. >التفسير الكبير 12: 26<.
إنّ ادعاء الفخرالرازي بأنّ مجموع الروايات الواردة في هذا الباب ليس بأكثر من ثلاث روايات هو كلام بلا أساس؛ لأنّه كما تقدّم آنفاً أن الوارد من الروايات في هذا الباب أكثر من أربعين رواية. ثم أنّ أكثر هذه الروايات وردت في كتب ومصادر أهل السنّة، ولكنّ التعصّب الأعمى ربما يؤدي بالإنسان إلى أن ينطق بكلمات غير مسؤولة رغم كونه علاّمة كبير مثل الفخر الرازي.
وأيضاً، ربما هناك المزيد من الروايات غير الأربعين التي وصلتنا تتعلق في شأن نزول الآية قد اختفت في طيّات التأريخ، ولم تصلنا، خاصّة في فترة الحكم الاُموي الذي كان بنواُمية يحاولون بشتى أساليبهم القمعية والإرهابية إخفاء وطمس معالم مثل هذه الروايات التي تتحدث عن فضائل ومناقب أهل البيت عليهم السلام.
حيث كانت أجواء الإرهاب في شدّتها بحيث إن من يذكر فضيلة واحدة لأهل البيت عليهم السلام كان يتعرض للعقاب الشديد بل كان كل من يسمّي ابنه عليّاً، أو يتحدث عن علي عليه السلام كان يتعرض للعقاب أيضاً. وعندئذ، ليس هناك شكّ في أن الآية نزلت في شأن أميرالمؤمنين عليه السلام وأنه هو الولي بعد الله ورسوله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 5 ـــــــــــــــــــــــ

وكان رواة أحاديث آية الولاية عشرة من الصحابة المعروفين: 1ـ ابن عباس 2 ـ عمّار بن ياسر 3 ـ جابر بن عبدالله الأنصاري 4 ـ أبوذرّ الغفاري، والذي نقل أدقّ وأطول رواية في هذا المجال 5 ـ أنس بن مالك 6 ـ عبدالله بن سلام 7 ـ سلمة بن كهيل 8 ـ عبدالله بن غالب 9 ـ عقبة بن حكيم 10 ـ عبدالله ابن أُبي.

شبهات حول الآية

هناك عدة شبهات أوردها البعض بما يتعلق بآية الولاية، وغرضهم من هذه الشبهات هو ابطال دلالة الآية على الولاية للإمام علي بن أبي طالب ونفيها عنه عليه السلام.

الشبهة الأولى: إنّ البعض من مفسّري أهل العامّة قالوا: إنّ كلمة «إنّما» في الآية لا تدلّ على الحصر؛ إذ أن في القرآن آيات اُخرى أيضاً وردت فيها كلمة «إنّما» وليس فيها دلالة على الحصر وهو قوله: ( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ...) (1). فإنا نرى هنا أنّ كلمة «أنّما» في الآية أعلاه لا تدلّ على الحصر؛ حيث إننا نعلم أن الحياة الدنيا لا تنحصر في هذه الموارد المذكورة بل تشمل لذاّت اُخر، فالآية لا تدلّ على الحصر، فكذلك في آية الولاية فإن > إِنَّمَا < لا تدلّ على الحصر، فالإستدلال بهذه الآية على المطلوب غير تام.

والجواب عنها: أن هذه الشبهة مدفوعة وفي غير محلها، فإنها لا تقوم على أساس متين؛ لانها في غاية الضعف والوهن، وذلك:

أوّلاً: إن أهل العرف واللغة ذكروا أن كلمة >إنما< تفيد الحصر، وجملة من مفسري العامة قالوا بالحصر، كابن حجر العسقلاني في >صواعقه< وغيره، وفي هذه الآية أيضاً وردت بمعنى الحصر، فالدنيا في نظر الإنسان المؤمن والعارف ليست في حقيقتها سوى اللهو واللعب وأمثال ذلك. وقد يتصور الإنسان الواقع في حبائل وشبائك هذه الدنيا اُموراً اُخرى من مظاهر الدنيا وزينتها الفانية ليست سوى لهو ولعب حيث يلهو بها أبناء الدنيا.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الحديد: 20. وهناك آيات أخرى من هذا القبيل، كقوله: ( إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ ) يونس: 31. وقوله: (إِنّما الحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) ـ محمد: 36ـ فإنّ حال الدنيا ليس منحصراً بما جاء في هذا المثل، بل يمكن بيان حال الدنيا بتمثيلات أُخرى أيضاً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 6 ـــــــــــــــــــــــ

وثانياً: لو فرض أنّ كلمة «إنّما» لم ترد في معناها الحقيقي في الاية المذكورة، فهذا لا يدلّ على أنّ الموارد الاُخرى في استعمال هذه الكلمة تحمل على غير معناها الحقيقي.

ويتضح من ذلك: أنّ كلمة «إنّما» الواردة في الآية الشريفة تدلّ على الحصر بلا شكّ، والإستدلال بهذه الآية تام.

الشبهة الثانية: قالوا: أن المراد من الولي في الآية هو الناصر والمحب، وليس السلطة والإمارة ؟

الهدف من هذه الشبهة أيضاً هو إبعاد أذهان عوام وسواد أهل العامّة عن المعنى الواضح للآية الشريفة، فذكروا معاني كثيرة لمعنى كلمة >ولي< ناهزت السبعة والعشرين معنى(1). فصوروا لهم أن هذه الكلمة هي من الألفاظ المشتركة بين معان مختلفة متعددة، وحينئذ لا نعلم مراد الله تعالى منها، وأيّ هذه المعاني هي المقصودة في الآية الشريفة. وبذلك تكون الآية مبهمة ولا تدلّ على المعنى المطلوب والمراد؟!

فظن هولاء المتعصبون ـ الذين أسدل حجاب التعصّب ستاراً على عقولهم ومنعهم من فهم الحقائق الجلية ـ عبر شبهتهم هذه أن ينفوا الولاية عن الإمام علي عليه السلام وخلافته بعد النبي صلى الله عليه وآله. ومثل هذه الشبهة وردت على حديث الغدير أيضاً(2).

ولكن لو تتضح معنى هذه الكلمة فإن الكثير من المسائل والتعقيدات في هذه المسألة سوف تجد لها طريقاً إلى الحلّ ودفع كل إشكال وارد عليها. فمثلاً عندما نراجع كتب اللغة نرى أنهم لم يذكروا لمعنى الولي سوى اثنين أو ثلاث من المعاني، وعليه فإن سائر المعاني المتقدمة لهذه الكلمةf تعود إلى هذه المعاني الثلاثة:

الأول: «الولي» بمعنى الناصر، والولاية بمعنى النصرة.

الثاني: «الولي» بمعنى القيّم وصاحب الإختيار.

الثالث: «الولي» بمعنى الصديق والرفيق حتّى لو لم يؤد هذا الإنسان حقّ النصرة لرفيقه ولكن بما أنّ الصديق في دائرة الرفاقة والصداقة ينهض لنصرة صديقه غالباً فإن المعنى الثالث يعود للمعنى الأوّل أيضاً.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ وقد ذكر العلاّمة الأميني في كتابه القيّم «الغدير» 1: 362 جميع هذه المعاني السبعة والعشرين. ثم إنّ كلمة «ولي» و «أولياء» جاءت في سبعين مورداً في القرآن الكريم وبمعان مختلفة.
2 ـ في حديث النبي صلى الله عليه وآله يوم غدير خم أنه قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه....

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 7 ـــــــــــــــــــــــ

وعندئذ تطلق كلمة «الولي» في نظر أرباب اللغة على معنيين، وسائر بقية المعاني المذكورة لها تعود إلى هذين المعنيين الأوليين.

ويمكن دفع الشبهة بما يلي:

أولاً: لو كان المراد من «الولي» النصرة والمحبة؛ فإن هذا لا ينحصر بالذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، بل هي تشمل كل المؤمنين فإن لهم المحبة والنصرة، والمؤمنون بعضهم أولياء بعض. وبه، فالولاية تختص ببعض المؤمنين الذين امتازوا بالأوصاف الثلاثة والتي أشارت إليها الآية، بينما المحبة والنصرة تشمل سائر المؤمنين

وثانياً: أنّ كلمة: «إِنَّمَا» في الآية تدلّ على الحصر بالقيود الثلاثة المذكورة، أي حصر الولي للمؤمنين بهم دون غيرهم، أما لو كان المراد من كلمة « الولي» بمعنى الصديق فلا معنى للحصر حينئذ؛ لأنّ هناك من الطوائف الأُخرى غير هذه الثلاثة ـ المشار إليها في الآية ـ يمكن أن يكونوا من أصدقاء وأنصار المؤمنين.

مضافاً إلى ذلك: لو كانت كلمة «الولي» بمعنى الصديق أو الناصر فهنا لا يكون معنى لورود كل هذه القيود لكلمة «الّذين آمنوا» بحيث يشترط فيهم دفع الزكاة في حال الركوع؛ فإن جميع المؤمنين بل وغير المؤمنين من الذين لا يصلّون يمكنهم أن يكونوا من أصدقاء المسلمين. ومن هنا يستفاد أن كلمة «إنّما» تدلّ على الحصر.

ثم إنّ الولاية في الآية الشريفة لم تستعمل بمعنى الصديق والناصر بل بمعنى القيّم والقائد وصاحب الإختيار بقرينة الترادف، وأنّ نفس الولاية لله ولرسوله صلى الله عليه وآله ثابتة للمؤمنين بهذه الشروط، فيكون مراد الآية: أن الله تعالى والنبي والمؤمنين الذين تتوفر فيهم الشروط المذكورة في الآية هم أولياؤكم والقيّمون على اُموركم. وبذلك تندفع الشبهة الثانية.

الشبهة الثالثة: إنّ قوله تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا) لفظ جمع كيف تحملون ذلك على الواحد؟

وجواباً لذلك: أولاً: قد يعبر عن الواحد لفظ الجمع إذا كان معظماً عالي الذكر، قال تعالى: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (1) وقال: ( رَبِّ ارْجِعُونِ )(2) وقال: ( وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا )(3) ونظائر ذلك كثيرة .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الحجر: 9.
2 ـ المؤمنون: 99.
3 ـ السجدة: 13.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 8 ـــــــــــــــــــــــ

وثانياً: هناك جملة من الآيات ورد فيها لفظ الجمع ولكن كان المراد به الواحد:

منها: قوله تعالى: ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ )(1) ولا خلاف في أن المراد به واحد، وهو نعيم بن مسعود الأشجعي .

ومنها: قوله تعالى: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ)(2) والمراد رسول الله صلى الله عليه وآله. ومنها: قوله تعالى: (الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا)(3) نزلت في عبد الله بن أبي ابن سلول . فإذا ثبت استعمال ذلك كان قوله: ( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ) محمولاً على الواحد الذي قدمناه(4).

ومغزى كل هذه الإشكالات والشبهات الواردة من قبل هؤلاء القوم على آية الولاية سعياً منهم لتنحية الإمام علي عليه السلام وعزله عن قيادة الأمة الإسلامية وعن مسرح الحياة، وهذا العمل منهم يكشف عن نوايا سرائرهم الشيطانية الخبيثة، وأنهم كانوا يضمرون السوء والوقيعة به عليه السلام، وكانت نفوسهم لا تهوى أن تكون زمام أمور المسلمين والأمة من بعد النبي صلى الله عليه وآله بيده عليه السلام، بل كانوا منذ أيام حياة النبي صلى الله عليه وآله المباركة يخططون لقتل نبيهم صلى الله عليه وآله، حتى نسبوا له الهجر والوجع في لحظات حياته الأخيرة، حتى تتسنى لهم الأمور ويتولوا دفة رئاسة الأمة، ولكن باءت كل مخططاتهم الباطلة بالفشل والخذلان.

وكان النبي صلى الله عليه وآله في أثناء حياته قد أخبر علياً عليه السلام بما يجري عليه بعد وفاته من ضغائن وأحقاد القوم عليه. وقد روى ذلك الطبراني في معجمه والهيثمي في زوائده:

حدثنا الحسن بن علوية القطان ثنا أحمد بن عمرو محمد السكري ثنا موسى بن أبي سليم البصري ثنا مندل ثنا الأعمش عن مجاهد عن بن عباس رضي الله عنهما قال: خرجت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم وعلي رضي الله عنه في حشان المدينة فمررنا بحديقة فقال علي رضي الله عنه ما أحسن هذه الحديقة يا رسول الله؟


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ آل عمران: 180.
2 ـ البقرة: 206.
3 ـ آل عمران: 168.
4 ـ أنظر: التبيان ـ للطوسي 3: 562 – 563.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 9 ـــــــــــــــــــــــ

فقال: حديقتك في الجنة أحسن منها. ثم أومأ بيده إلى رأسه ولحيته، ثم بكى حتى علا بكاؤه، قيل: ما يبكيك؟ قال: ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتى يفقدوني(1).

الشبهة الرابعة: إن الإمام علي عليه السلام ليس له مال حتى يتصدق؟

هذه الشبهة أضعف من سابقاتها؛ إذ الإنفاق في المقام هي الصدقة وليست الزكاة المتعارفة والتي لها شرائطها الخاصة. فدلالة الآية واضحة أن الذي تصدق بخاتمه هو أمير المؤمنين عليه السلام.

الشبهة الخامسة: ورد تساؤل من قبل البعض أيضاً وهو: أن الإمام عليه السلام إذا دخل في الصلاة فإنه لا يلتفت ولا يتوجه إلى من يحوط به، وإنما كل كيانه وشعوره في خضوع وخشوع لله تعالى، بل يصل الأمربه إلى حالة أن المسلمين إذا أرادوا إنتزاع سهم منه عليه السلام لا يستطيعون إلا إذا كان مشغولاً بالصلاة فإنه يذوب في ذات تعالى، فكيف توجه إلى السائل، وأومأ بإصبعه إليه لينتزع الخاتم منه وهو في حال ركوعه، أليس ذلك معناه أنه انصرف عن ذات الله وعظمته

الجواب واضح: أولاً: إنّ الله تعالى هو الذي أوقع في روح وقلب الإمام علي عليه السلام هذا المقدار من الإلتفات نحو السائل. وثانياً: أن ما قام به عليه السلام هو عمل عبادي؛ إذ تصدق بخاتمه على الفقير، وأدخال السرور إلى قلبه، وكلا العملين عبادة وتقرب إليه تعالى. بل قد ورد في أحاديث بأنّ إعانة المؤمن وقضاء حاجته أفضل من الطواف فهي أفضل من الصلاة، فالتصدق على الفقير المؤمن عبادة أفضل، لا أنّه يخرج به من العبادة، فلم يكن عليه السلام في مقام الغفلة عن ذكر الله تعالى. وأيضاً لا منافاة بين أن يوقع الله تعالى في قلبه عليه السلام هذا اللون من الإنفاق بالتصدق على الفقير، وبين الصلاة التي كان يؤديها حال ممارسة التصدق، حيث لم تكن عملية التصدق في أثناء صلاته مخلة أومنافية لها، وإنما كلا العبادتين كانتا مرضية له تعالى.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ المعجم الكبيرـ للطبراني 11:60 ـ 61، مجمع الزوائدـ للهيثمي 9: 118، شرح نهج البلاغةـ لإبن أبي الحديد 4: 107.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 10 ـــــــــــــــــــــــ

والملفت للنظر في المقام: أن الله تعالى أنزل على رسوله المصطفى محمد صلى الله عليه وآله آية في بيان فضل ما قام به أمير المؤمنين عليه السلام، وأن الولاية لا تكون إلا فيه، وأنه هو الخليفة والوصي من بعده صلى الله عليه وآله على المسلمين كافة.

وقد حاولت بعض الأقلام المأجورة والأفواه المغرضة وممن يدعون الصحبة للنبي صلى الله عليه وآله أن يصوروا للمسلمين والعالم أن الإمام علي عليه السلام لم يكن من المصلين. ولكن لما علم الناس باستشهاد الإمام عليه السلام في محراب صلاته بمسجد الكوفة، وأنه قتل وهو في صلاته استيقظت الأمة من سباتها وما أحاطها من التضليل والتعتيم الإعلامي الذي مارسه الطغاة ودعاة الباطل عليها من كتم فضائل ومعالم إمام المتقين ويعسوب الدين علي بن أبي طالب عليه السلام.

وبذلك يتضح مما بيناه من دفع إشكالات وشبهات القوم الواردة على آية الولاية الشريفة بأن الوصي الحقيقي من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله إنما هو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ومن بعده ولديه الحسن والحسين والتسعة المعصومين من ذرية الحسين عليهم السلام الذين سماهم النبي صلى الله عليه وآله في حياته بأسمائهم واحداً واحداً.

الشبهة السادسة: أننا لو سلّمنا أيضاً بأن الآية نزلت في شأن الإمام عليّ عليه السلام ولكن القيام بهذا الفعل من قبله عليه السلام في الصلاة ألا يعد من الفعل الكثير الماحي لصورة الصلاة، فيؤدي ذلك إلى بطلانها؟

وهل يتصور من الإمام عليه السلام أن يتصرف في صلاته بما يؤدي إلى بطلانها؟!

الجواب عن الشبهة:

أوّلاً : إن الفعل الكثير الذي يلزم منه هدم هيئة وصورة الصلاة من قبل المصلي هو فيما إذا مارس المصلي أفعالاً في أثناء صلاته من قبيل: أن يصفق أو يقفز أو يتكلم بكلام لا صلة ولا ربط له بالصلاة، فهذا الذي يعد مبطلاً لها. وأما أن يشير إلى السائل والمسكين ليأخذ خاتمه من يده بحيث إنّ الإمام عليه السلام لم يباشر بنفسه اخراج الخاتم من يده، ومثل هذا الفعل لا يدخل في دائرة الفعل الكثير.

ثم إنّ الروايات تبيح للمصلّي بأن يغسل أنفه بالماء فيما لو خرج الدم منه في أثناء صلاته، ثم يستمر ويكمل صلاته . وكذا لو واجه حيواناً خطراً قريباً منه، جاز له قتله والإستمرار في صلاته.

وثانياً: إنّ الله تعالى في هذه الآية مدح الإمام علياً عليه السلام على عمله، فلو كان ذلك العمل باعثاً على بطلان الصلاة فهل يصح المدح والثناء منه تعالى وينزل في حقّه آية من القرآن ؟! فالإشكال المذكور مجرد ذريعة وتبرير منشأه التعصّب وعدم الرضوخ والتسليم بالأمر الواقع.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 11 ـــــــــــــــــــــــ

فضل قضاء حاجة المؤمن

لعل هناك من يعترض ويقول: إنّ الإلتفات والتوجه إلى السائل في أثناء الصلاة يقلل من أهمية الصلاة، ودورها في حياة الفرد والمجتمع، وقد عدها الشارع المقدس ركناً من أركان الدين، بينما الإنفاق لم يكن بهذا المستوى من الأهمية، بحيث يشغله الإنفاق عن الصلاة؟

وبعبارة أخرى إذا دار الأمر بين عبادتين: التصدق في حال الصلاة وبين أداء وأتمام الصلاة نفسها، فأي العبادتين يكون هو الفرد البارز والمقدم على غيره؟

يمكن توجيه الإعتراض المذكور بما يلي:

أولاً: هناك جملة من الروايات بيّنت فضل الإنفاق وحثت عليه، وأن السعي في قضاء حاجة المؤمن أعظم فضلاً وثواباً من الصلاة؛ باعتبار أن للصلاة متسع من الوقت، ولم يلزم من الإنفاق تفويتها.

والشيخ الطوسي في " تهذيبه"ذكر بسند معتبر: روى موسى بن القاسم عن محمد بن سعيد بن غزوان عن أبيه عن أبان بن تغلب قال : كنت مع أبي عبد الله عليه السلام في الطواف فجاءني رجل من إخواني فسألني ان أمشي معه في حاجة ففطن بي أبو عبد الله عليه السلام فقال : يا ابان من هذا الرجل؟ قلت : رجل من مواليك سألني ان اذهب معه في حاجته فقال : يا أبان اقطع طوافك وانطلق معه في حاجته فاقضها له. فقلت : إني لم أتم طوافي قال : أحص ما طفت وانطلق معه في حاجته. فقلت : وإن كان في فريضة ؟ قال : نعم وإن كان في فريضة. قال : يا أبان! وهل تدري ما ثواب من طاف بهذا البيت أسبوعاً ؟ فقلت لا والله ما أدري قال: تكتب له ستة آلاف حسنة وتمحى عنه ستة آلاف سيئة ، وترفع له ستة آلاف درجة(1) .

وروى إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام : >ولقضاء حاجة عبد مؤمن خير من طواف وطواف<. حتى عد عشرة أسابيع، فقلت له : جعلت فداك أفريضة أو نافلة ؟ فقال : >يا أبان! إنما يسأل الله العباد عن الفرائض لاعن النوافل< (2) .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ تهذيب الأحكام - الشيخ الطوسي 5 : 120.
2 ـ تهذيب الأحكام - الشيخ الطوسي 5 : 120.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 12 ـــــــــــــــــــــــ

وأيضاً عن محمد بن يعقوب ، عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن أبي إسماعيل السراج ، عن سكين بن عمار ، عن رجل من أصحابنا يكنى أبا أحمد قال : كنت مع أبي عبد الله عليه السلام في الطواف ويده في يدي إذ عرض لي رجل إلي(1) حاجة فأومأت إليه بيدي ، فقلت له : كما أنت حتى أفرغ من طوافي، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ما هذا ؟! فقلت : أصلحك الله رجل جاءني في حاجة، فقال لي : أمسلم هو ؟ قلت : نعم فقال لي : اذهب معه في حاجته ، فقلت له : أصلحك الله فأقطع الطواف؟ قال : نعم ، قلت : وإن كنت في المفروض ؟ قال : نعم، وإن كنت في المفروض . قال : وقال أبو عبد اللهعليه السلام : من مشى مع أخيه المسلم في حاجة(2) كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة . ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله(3) .

وبذلك لا محذور ولا مانع من قضاء حاجة المؤمن في ظرف الإنشغال بواجب آخر؛ لما في قضاء الحاجة من الثواب والفضل عند الله تعالى.

وعن الصدوق محمد بن علي بن الحسين في " ثواب الأعمال " عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله عن عباد بن سليمان ، عن محمد بن سليمان الديلمي ، عن أبيه ، عن محمد بن يزيد النيسابوري، عن أبي حمزة الثمالي ، عن علي بن الحسين عليه السلام قال : من قضى لأخيه حاجة فبحاجة الله بدأ ، وقضى الله له بها مائة حاجة في إحداهن الجنة (4).

وعنه ، عن محمد بن زياد ، عن الحكم بن أيمن ، عن صدقة الأحدب(5) عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قضاء حاجة المؤمن خير من عتق ألف رقبة وخير من حملان(6) ألف فرس في سبيل الله(7) . وغيرها من الروايات التي تؤكّد فضل الإنفاق على المؤمنين وقضاء حوائجهم.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ في نسخة إليك ( هامش المخطوط ) .
2 ـ في المصدر : في حاجته .
3 ـ وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي 13 : 383، نقلاً عن الكافي 2 : 137 / 8 ، وأورده بتمامه عن مصادقة الإخوان في الحديث 16 من الباب 122 من أبواب أحكام العشرة .
4 ـ وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي 16 : 342.
5 ـ الأحدب من خرج ظهره ودخل صدره وبطنه.
6 ـ الحملان بالضم ما يحمل عليه من الدواب في الهبة خاصة.
7 ـ الكافي - الشيخ الكليني 2 : 193.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 13 ـــــــــــــــــــــــ

الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة

وممّا تقدم ظهر أنّ الشهادة الثالثة بالولاية: >أشهد أن علياً ولي الله< في الأذان والإقامة: هي المؤكدة المتمّمة للشهادتين السابقتين عليها من حيث إرتباط التوحيد والنبوة والرسالة بحيثية الولاية وحصرها فيها؛ إذ لولا الولاية لأمير المؤمنين لما وحِّدَ اللهُ تعالى حقّ توحيده، ولولا الولاية لما عُبِد الله تعالى حق عبادته، كما في الأخبار الكثيرة. فالمستفاد من آية الولاية: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ...) هذا المعنى المأخوذ في الأذان والإقامة، فإنّ أصل التوحيد والنبوة مكملهما الولاية الكبرى المتمثلة بالإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام. وقد ورد في ذلك روايات(1).


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ فقد روى الكراجكي في " كنزه" والمحدث النوري في " مستدركه " والبحراني في " مرامه " وغيرهم: في بيان فضائل أمير المؤمنين عليه السلام والنصوص عليه من رسول الله صلى الله عليه وآله من جملة ما رواه لنا الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن شاذان القمي رحمه الله بمكة في المسجد الحرام قال: حدثني نوح بن أحمد بن أيمن رحمه الله قال: حدثنا إبراهيم بن أحمد بن أبي حصين قال: حدثني جدي قال: حدثني يحيى بن عبد الحميد قال: حدثني قيس بن الربيع قال: حدثني سليمان الأعمش عن جعفر بن محمد قال: حدثني أبي قال: حدثني علي بن الحسين عن أبيه قال: حدثني أبي أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله:
يا علي! أنت أمير المؤمنين، وإمام المتقين، يا علي! أنت سيد الوصيين، ووارث علم النبيين، وخير الصديقين، وأفضل السابقين، يا علي! أنت زوج سيدة نساء العالمين، وخليفة خير المرسلين، يا علي! أنت مولى المؤمنين، والحجة بعدي على الناس أجمعين، استوجب الجنة من تولاك، واستوجب دخول النار من عاداك، يا علي! والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية لو أنّ عبداً عبد الله تعالى ألف عام ما قبل الله ذلك منه، إلا بولايتك وولاية الأئمة من ولدك، وأنّ ولايتك لا تقبل إلا بالبراءة من أعدائك وأعداء الأئمة من ولدك، بذلك اخبرني جبرئيل عليه السلام فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. (كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي: 185، مستدرك الوسائل ـ للمحدث النوري1 : 171، غاية المرام ـ للسيد هاشم البحراني 1 : 67 ).
وأخرج موفق بن أحمد الخوارزمي: عن يحيى ومجاهد، هما، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ... يا أم سلمة اسمعي واشهدي، هذا على أمير المؤمنين وسيد المسلمين، وهذا عيبة علمي، وهذا بابي الذي أوتى منه، وهذا أخي في الدنيا و [ خذني في ] الآخرة، وهذا معي في السنام الأعلى. (ينابيع المودة لذوي القربى ـ للقندوزي 1 : 389).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 14 ـــــــــــــــــــــــ

ثم إنّ الفضائل والمكرمات التي اصطفاها وحباها رسول الله صلى الله عليه وآله من الله تعالى هي أيضاً ثبتت لوصيه وخليفته علي بن أبي طالب عليه السلام إلا ما استثناه الدليل وهو النبوة بمقتضى حديث المنزلة(1). ففي رواية في " غاية المرام " عن علي بن بابويه الصدوق ، عن البرقي ، عن فيض بن المختار، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام عن أبيه ، عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله ـ في حديث طويل ـ قال: يا علي ما أكرمني بكرامة ـ أي الله سبحانه وتعالى ـ إلا أكرمك بمثلها. وهناك من الروايات التي رواها الشيخ الطوسي في " مبسوطه " وغير الشيخ أيضاً تكون نصاً في المسألة(2). وبذلك فإن الله تعالى أكرم علياً عليه السلام بذكره والشهادة بولايته في الأذان.

وقد روى ذلك الصدوق في " معاني الأخبار ": حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال : حدثنا أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي ، قال : حدثنا محمد بن حسين الصوفي ، قال : حدثنا يوسف بن عقيل ، عن إسحاق بن راهويه قال : لما وافى أبو الحسن الرضا عليه السلام نيسابور وأراد أن يخرج منها إلى المأمون اجتمع إليه أصحاب الحديث فقالوا له : يا ابن رسول الله ترحل عنا ولا تحدثنا بحديث فنستفيده منك ؟ وكان قد قعد في العمارية(3) فأطلع رأسه وقال : سمعت أبي موسى بن جعفر يقول: سمعت أبي جعفر بن محمد يقول: سمعت أبي محمد بن علي يقول: سمعت أبي علي بن الحسين يقول: سمعت أبي الحسين بن علي بن أبي طالب يقول: سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: سمعت جبرئيل عليه السلام : سمعت الله عز وجل يقول: " لا إله إلا الله حصني ، فمن دخل حصني أمن [ من ] عذابي " قال : فلما مرت الراحلة نادانا : بشروطها وأنا من شروطها.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ فقد روى النسائي في سننه الكبرى 5 : 44 ، حديث 8140 : أخبرنا علي بن مسلم قال ثنا يوسف بن يعقوب الماجشون أبو سلمة قال أخبرني محمد بن المنكدر عن سعيد بن المسيب قال سألت سعد بن أبي وقاص فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس معي أو بعدي نبي؟ قال: نعم سمعته. قلت: أنت سمعته؟! فأدخل أصبعيه في أذنيه قال: نعم وإلا فاستكتا.
وفي الكافي ـ للكليني 8 : 106 – 107، في حديث طويل، عن أبي أمية يوسف بن ثابت بن أبي سعيدة، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال: ... والله لو أن رجلاً صام النهار وقام الليل ثم لقى الله عز وجل بغير ولايتنا أهل البيت للقيه وهو عنه غير راض ... وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " . وعن روضة الواعظين - للفتال النيسابوري: 89 مثله.
2 ـ أي أن الشهادة الثالثة من فصول الأذان بنحو الجزئية المستحبة.
3 ـ العمارية: هودج يجلس فيه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 15 ـــــــــــــــــــــــ

وقد أخرجت ما رويته في هذا المعنى من الأخبار في كتاب التوحيد(1).

وقد ورد في بعض الطرق: ولاية علي بن أبي طالب حصني ... الحديث.

وستأتي بقية الشبهات الأخر والتي تناولها سماحة آية الله الشيخ مسلم الداوري (حفظه الله) مع مناقشتها إن شاء الله تعالى.

مؤسسة الإمام الرضا عليه السلام للبحث والتحقيق العلمي ـ قم المقدسة


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ معاني الأخبار - الشيخ الصدوق: 370 ـ 371. في التوحيد: 25 بعد ذكر الخبر " قال مصنف هذا الكتاب : من شروطها الإقرار للرضا عليه السلام بأنه إمام من قبل الله عز وجل على العباد ، مفترض الطاعة عليهم " .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 16 ـــــــــــــــــــــــ