بسم الله الرحمن الرحيم

بحث حول نفي الخلاف بين الأصوليين والأخباريين(1)

الإجتهاد في اللغة: مأخوذ من الجَهد يعني: المشقة أو من الجُهد وبذل المجهود في طلب الشيء.

وقد وقع الخلاف بين المسلمين في الإجتهاد: فقالت العامّة باعتباره مطلقاً، سواء كان تحصيل الأحكام من الكتاب والسّنة أو من الظنّون كالقياس والإستحسان وأقوال الصحابة وغيرها. وذهب الأخباريون إلى إنكار الإجتهاد وعدم اعتباره مطلقاً، وقالوا بأنه قد ورد النهي عنه في الشرع المقدس، بل نسب إلى صاحب الفوائد المدنية(2)القول: بأنّ المجتهد إذا اصاب لم يؤجر وإذا اخطأ كذب على الله.

وذهب الأصوليون من الإمامية إلى اعتبار الإجتهاد في الجملة، >أي استفراغ الوسع والطاقة في تحصيل الأحكام من الكتاب والسّنة وما يرجع إليهما من الاجماع والعقل<.

وقد ذكر بعض الأعلام بأنّ النزاع بين الطائفة الأولى والأخيرتين معنوي، فإنّ الإجتهاد عند العامّة بمعنى تحصيل الظنّ بالأحكام الشرعية عن كل طريق، فالإجتهاد عندهم في مقابل النصّ. ولذلك ورد عن الائمة^: النهي عن الإجتهاد في الأحكام بهذا المعنى.

بخلاف الطائفتين الأخيرتين فهما لا يعتبران تحصيل مطلق الظنّ للأحكام الشرعية، ولعل إنكار المحدثين لجواز الرجوع إلى الأصول؛ لأنّهم يرونه من الإجتهاد المنهي عنه.

وسيأتي أنّ كلمة الإجتهاد وإن كان أصله من أهل العامّة، ولكن عندنا هو بمعنى آخر وهو استفراغ الوسع والمشقة لتحصيل الحكم الشرعي من الكتاب والسّنة والأدلة المعتبرة، فليس هذا من الإجتهاد المنهي عنه وإنّما هو جائز ومأمور به.

ـــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ البحث المذكور هو اقتباس من بحوث لسماحة آية الله الشيخ مسلم الداوري (دام ظله) حول نفي الخلاف الحقيقي بين الأصوليين والأخباريين.
22ـ الفوائد المدنية والشواهد المكية : 104.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 1 ـــــــــ

والظاهر أنّ النزاع بين الطائفتين الإخيرتين لفظي؛ وذلك لأنّ الأصوليين يعتبرون تحصيل الأحكام من الكتاب والسّنة والظنّون المعتبرة شرعاً، بينما الأخباريون يقولون باعتبار تحصيل الأحكام من النصّ فقط، أي من الكتاب ـ فيما إذا ورد تفسيرها عن الائمة ^ ـ والأخبار فالطرفان يتفقان على أنّه لابد من تحصيل الأحكام من الكتاب والسّنة، وإنّما الخلاف بينهما من جهة بعض المصاديق، وهذا الخلاف في المصاديق موجود بين الأصوليين أنفسهم، وهكذا بين الأخباريين مع بعضهم البعض.

وقد ذهب بعض الأعلام ـ كصاحب الوسائل ـ إلى إنكار كون النزاع بينهما لفظياً، فقد ذكر في فوائده: (وإعلم، أنّ كثيراً ما يقول من يتعصب لأصل الأصول: أنّ النزاع بينهم وبين الأخباريين لفظي، وذلك عند العجز عن إستدلال، وبعضهم يقول ذلك جهلاً منه بمحلّ النزاع ... والحقّ أن يقال بأنّ النزاع لفظي في مواضع يسيرة جداً لا في جميع المواضع).

ثم ذكر جملة من الموارد التي هي محل الخلاف ـ وبذلك أراد أن يثبت بأنّ النزاع ليس بلفظي ـ فقال:

منها: أنّ الأصوليين يقولون بجواز الإجتهاد في الأحكام بل وجوبه، والأخباريون يقولون بعدم جواز العمل بغير النصّ.

ومنها: أنّ الأصوليين يقولون بجواز العمل بظن المجتهد بل بوجوبه لا بغيره، والأخباريون يقولون بعدم جوازه.

ومنها: أنّ الأصوليين يقولون بجواز العمل بخبر الواحد الخالي عن القرينة، والأخباريون يقولون بعدم جوازه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 2 ـــــــــ

ومنها: أنّ الأصوليين يقولون بجواز العمل بالمرجحات غير المنصوصة ـ وذكر خمسين مرجحاً لذلك ـ والأخباريون يقولون بعدم جوازه، بل العمل إنّما يكون بالمرجحات المنصوصة، وذكر لها اثني عشر مرجحاً(1).

ومنها: أنّ الأصوليين يقولون بجواز العمل بالخبر الظنّي السند، والأخباريون يقولون بجواز العمل بالخبر العلمي؛ فإنّ الخبر الظنّي هو خبر الواحد الموثق عند الأصوليين، ولكن خبر الواحد الثقة عند الأخباريين هو الخبر العلمي، فذكر ثلاثة وعشرين مورداً.

ولكن مقتضى التحقيق أن يقال: أنّ الظاهر ـ مما أفاده صاحب الوسائل ـ من الموارد كلّها محل للإشكال بأدنى تأمل، وليست هي خلافات واقعية، وإنّما هي نزاعات لفظية بالبيان التالي:

إنّ الإجتهاد الذي يقول به الأصوليون هو بذل الجهد واستفراغ الوسع في تحصيل الاحكام الشرعية من الأدلة الثابتة شرعاً من الكتاب والسّنة، وأمّا العقل والاجماع منهما يرجعان إلى الكتاب والسّنة، وهما ليسا من الأدلة المستقلة التي يستنبط بها.

ولا شك أنّ الأخباريين يتمسكون بالعلم واليقين في تحصيل الأحكام ـ كالآخرين ـ في جميع الأحكام، هذا إذا كان ممكناً ومع عدمه فإنّ حصول اليقين في جميع الأحكام الشرعية بعيد جداً؛ لإنّ ما يحصل به العلم واليقين من الأحكام قليل جداً.

وعلى ضوء ذلك، لا مناص من القول بأنّ مرادهم من العلم هو الإطمئنان والظنّون المعتبرة شرعاً وهو ايضاً قول الأصوليين الذين يستدلون بظواهر الكتاب والأحاديث الواردة عن الائمة^، فلم يكونوا خارجين عن التمسك بالكتاب والسّنة. وعليه لم يكن بين الطرفين خلاف في الإجتهاد.

ــــــــــــــــــــــ
1 ـ انظر: الفوائد الطوسية ـ محمّد بن حسن الحر العاملي : 447 .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 3 ـــــــــ

نعم، يبقى الخلاف في بعض الصغريات، فالأخباريون لا يرون حجيّة الإستصحاب إلا في موارد قليلة أو البراءة في الشبهات التحريمية أو حجية مفهوم الشرط وغيرها، وهذه الأمور تكون مورداً للخلاف بين الأصوليين أنفسهم، وهذا لا يوجب أن يكون النزاع معنوياً.

فالظاهر: أنّ ما ذكره جملة من الأعلام من أنّ النزاع لفظي هو الصواب.